القول في تأويل قوله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ( 41 ) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ( 42 ) )
يقول تعالى ذكره : وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به ، يدعون الناس إلى أعمال أهل النار ( ويوم القيامة لا ينصرون ) يقول جل ثناؤه : ويوم القيامة لا ينصرهم إذا عذبهم الله ناصر ، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون ، فاضمحلت تلك النصرة يومئذ .
وقوله : ( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) يقول تعالى ذكره : وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزيا وغضبا منا عليهم ، فحتمنا لهم فيها بالهلاك والبوار والثناء السيئ ، ونحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القيامة ، فمخزوهم بها الخزي الدائم ، ومهينوهم الهوان اللازم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) قال : لعنوا في الدنيا والآخرة ، قال : هو كقوله : ( وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) لعنة أخرى ، ثم استقبل فقال : ( هم من المقبوحين ) وقوله : ( هم من المقبوحين ) يقول تعالى ذكره : هم من القوم الذين قبحهم الله ، فأهلكهم بكفرهم بربهم ، وتكذيبهم رسوله موسى عليه السلام ، فجعلهم عبرة للمعتبرين ، وعظة للمتعظين
إتباعهم باللعنة في الدنيا جعل اللعنة ملازمة لهم في علم الله تعالى ; فقدر لهم هلاكا لا رحمة فيه ، فعبر عن تلك الملازمة بالإتباع على وجه الاستعارة ؛ لأن التابع لا يفارق متبوعه ، وكانت عاقبة تلك اللعنة إلقاءهم في اليم . ويجوز أن يراد باللعنة لعن الناس إياهم ، يعني أن أهل الإيمان يلعنونهم .
وجزاؤهم يوم القيامة أنهم من المقبوحين ، والمقبوح المشتوم بكلمة ( قبح ) ، أي قبحه الله أو الناس ، أي جعله قبيحا بين الناس في أعماله أي مذموما ، يقال : قبحه بتخفيف الباء فهو مقبوح كما في هذه الآية ، ويقال : قبحه بتشديد الباء إذا نسبه إلى القبيح فهو مقبح ، كما في حديث أم زرع مما قالت العاشرة : ( فعنده أقول فلا أقبح ) أي فلا يجعل قولي قبيحا عنده غير مرضي .
والإشارة إلى الدنيا بـ " هذه " لتهوين أمر الدنيا بالنسبة للآخرة .
والتخالف بين صيغتي قوله وأتبعناهم وقوله هم من المقبوحين ؛ لأن اللعنة في الدنيا قد انتهى أمرها بإغراقهم ؛ أو لأن لعن المؤمنين إياهم في الدنيا يكون في أحيان يذكرونهم ، فكلا الاحتمالين لا يقتضي الدوام فجيء معه بالجملة الفعلية . وأما تقبيح حالهم يوم القيامة فهو دائم معهم ملازم لهم فجيء في جانبه بالاسمية المقتضية الدوام والثبات .
وضمير " هم " في قوله " هم من المقبوحين " ليس ضمير فصل ولكنه ضمير مبتدأ ، وبه كانت الجملة اسمية دالة على ثبات التقبيح لهم يوم القيامة .
تعليقات
إرسال تعليق