أمام منصة القضاء تتكدس الأوراق بهموم رافعيها وقصص وعبر الحياة وقسوة الغل فى الخصومة الذى يتمكن من قلوب البشر واحداها كانت دعوى أقامها ابن وابنة فى مركز اجتماعى مرموق طالبا فيها برؤية والدهما
كانت الدعوى لافتة فمن المعتاد أن يطالب الآباء برؤية الأبناء وليس العكس. وفحصت المحكمة القضية سعيا للوصول إلى الحقيقة واستدعت الأب ولكن حضرت الأم مرتدية زى الحداد الأسود ملامح وجهها تنطق بالحزن الصامت الصابر وتحمل الألم فى ثبات، نادى حاجب المحكمة على أسماء أبنائها وزوجها فهما طرفا الخصومة فاقتربت من المنصة تحاول فك اللغز ما الذى يمنع أب عن رؤية نجليه خاصة وانهما كبار؟!
ووقفت تسرد قصة حياتها وارتباطها برجل كافح وجاهد وشق طريقه فى الحياة حتى وصل لمركز علمى ومادى كبير وحقق مكانة اجتماعية امتدت لخارج البلاد وانجبا ابنيهما وعاشا من اجل ان يستكملا مسيرة نجاح والدهما وبالفعل تمتعا بحياة هادئة جميلة حفلت بتحقيق المزيد من الطموحات حتى تخرجا وعملا بمهنة مهمة ونالا ما يتمنياه اى أبناء فى الدنيا ومر قطار العمر حتي توقف الحال برفيق عمرها وأصيب بمرض اقعده وانهكه فقرر العودة مرة أخري لبلده وفى حضن أسرته يلتمس الدفء زادا للعلاج.. والحنان املا فى الراحة من التعب لكن العبوس وجمود المشاعر كان فى انتظاره من أبنى العمر واللذين اخذا يجادلان أمهما جدال النكران لماذا ننفق هذه المبالغ الطائلة عليه وهو يكاد يكون ميتا اعماهما الطمع خوفا من ضياع النقود التى أنفق فيهما والدهما عمره وعدم حصولهما على ميراث.
حاولت الأم جاهدة أن تثنيهما عن فعلهما وإرادتهما اللعينة لكن هيهات استبد الجحود بنفسيهما وراحا يحاصرنها برفضهما وإصرارهما على عدم استكمال والدهما العلاج اخذت تفكر ماذا تفعل إزاء هذا النكران الرهيب والقسوة. لكن كانت خطواتهما فى الشر أسبق وبسريان الشيطان مسرى الفكر الخبيث فيهما أقاما دعوى حجر على الأب ودعوى رؤية ليستطيعا من خلالها معرفة مكانه وتحقيق مأربهما صدمت الأم وامتلأ قلبها بالوجع الممزوج بالحسرة واخذت والد أبنائها وغادرت المنزل وانتقلا للإقامة فى مكان اخر حتى تستطيع ان تواصل علاجه وتبتعد به عن نيران جحود فلذات كبدهما وجن جنونهما وراحا يبحثان عنهما فى كل مكان وجاء ميعاد دعوى الحجر ووقفت السيدة صامدة بجراحها وروت تفاصيل ما حدث.. وقبل ان ينطق رئيس المحكمة بحكمه وجه حديثه للابن العاق الذى حضر الجلسة موجها له اللوم الشديد على ما فعله وحكم برفض دعوى الحجر.
وخرج الابن من قاعة المحكمة والغضب الباطل يتملكه واطلق عبارات التهديد والوعيد لأمه بدلا من أن يحنو عليها ووالده ويندم على فعلته وفى اليوم التالى جاءت إرادة الله التى تعلو على الظالمين مات الابن بعد أن أصيب بأزمة صحية سريعة مفاجئة لم يستغرق معها عدة ساعات. وهنا جاء التفسير لماذا ترتدى الأم المكلومة الزى الأسود وصمتت عن الحديث أمام المحكمة التى حضرت فيها لنظر الدعوى الآخرى التى أقامها نجلاها وهى الرؤية توقفت تنتظر كلمة القضاء بعد أن شرحت قصتها وبنبل القاضى طالبها بالترحم على ابنها ومحاولة السماح فصمتت صمتا كان ردها فيه ابلغ من الكلام فما فعله كان كثيرا وحكمت المحكمة برفض دعوى الرؤية بعد ما تبين لها الغرض منها وخرجت الأم لتكمل رحلتها مع رفيق عمرها للنهاية لكن قلبها يكتسى مرارة قسوة ابنيها وسؤال ليس له اجابة هل يمكن السماح ونسيان هذا العقوق المرير .. هل يدرك العاقون انهم فى خسران مبين؟
تعليقات
إرسال تعليق